السعادة بين 'الداخل' و'الخارج': هل سعادتك مرهونة بإرادة 'حشرة'؟
كثيراً ما نسمع تلك المقولة الرواقية القديمة: "السعادة تنبع من الداخل"، وأنها محض إرادة وقرار شخصي لا علاقة له بالظروف المحيطة. نظرياً، الكلام جميل ومريح، لكن دعونا نضع هذه الفلسفة تحت مجهر الواقع، وتحديداً أمام كائن لا يتجاوز وزنه بضعة مليجرامات: البعوضة.
تخيل أنك تجلس في قمة صفائك الذهني، قررت أن تكون سعيداً، وفجأة.. طنين خافت ومستمر يكسر هذا السلام. حشرة صغيرة جداً قادرة على توتير أعصابك وسلبك تلك السعادة المزعومة.
هنا تبدأ رحلة الإنسان في محاولة "السيطرة". نبتكر المبيدات الحشرية للقضاء عليها، ونظن أننا انتصرنا. لكن الطبيعة لا تلعب بالنرد؛ تخرج لنا سلالات جديدة مقاومة للمبيد، أو يتسرب هذا السم الكيميائي عبر السلسلة الغذائية ليعود إلى مائدتنا بعد سنوات، فيسلبنا سعادتنا (صحتنا) على المدى البعيد.
الأعقد من ذلك، هو جهلنا بـ "أثر الفراشة" البيئي. تلك البعوضة التي أزعجتك قد تكون حجر الزاوية في نظام بيئي معقد؛ ربما كانت مفترساً لحشرة أكثر ضرراً، أو منافساً يمنع تكاثر حشرة أخرى تنقل فيروساً قاتلاً، أو حتى جزءاً من دورة تحلل نفايات بكتيرية. غيابها قد يفتح باباً للجحيم لم نكن نراه.
حدود الـ 50%.. ووهم الباب السلك
نحن نقنع أنفسنا أننا نتحكم في 50% من معادلة السعادة، وهي المساحة التي نستطيع حمايتها. نركب "باباً من السلك" (ناموسية) على نوافذنا، ونظن أننا عزلنا أنفسنا عن إزعاج الخارج. نجلس خلف السلك هادئين، معتقدين أننا سيطرنا على الوضع.
لكن، يا له من سياج هش!
هذا السلك الدقيق قد يمنع بعوضة، لكنه لن يمنع فيروساً مجهرياً يحمله الهواء من اختراق حصنك. والأخطر من ذلك، أن هذا المنزل الآمن لن يصمد أمام نداء الغريزة الأقوى.
ماذا لو نفد الماء؟
ماذا لو جفت مصادر المياه العذبة في الخارج؟ حينها، ستتلاشى فلسفة "السعادة الداخلية" تماماً، وسيجبرك العطش على فتح هذا الباب والخروج من منطقتك الآمنة إلى المجهول بحثاً عن الحياة.
الخلاصة:
السعادة ليست انعزالاً، وليست سيطرة تامة. نحن جزء من نسيج بيئي هائل ومعقد، سعادتنا فيه مرتبطة ببعوضة، وبقطرة ماء، وبفيروس لا يرى بالعين المجردة. التواضع أمام هذا النظام، وفهم مكاننا فيه، قد يكون هو التعريف الحقيقي للطمأنينة.. لا السيطرة.
فكرة ورؤية: موسى حمدي. تمت إعادة الصياغة اللغوية وتوليد الصورة التعبيرية بمساعدة أدوات الذكاء الاصطناعي (Gemini 3 Pro & Nano Banana Pro).

تعليقات
إرسال تعليق