كثيراً ما نسمع تلك المقولة الرواقية القديمة: "السعادة تنبع من الداخل"، وأنها محض إرادة وقرار شخصي لا علاقة له بالظروف المحيطة. نظرياً، الكلام جميل ومريح، لكن دعونا نضع هذه الفلسفة تحت مجهر الواقع، وتحديداً أمام كائن لا يتجاوز وزنه بضعة مليجرامات: البعوضة . تخيل أنك تجلس في قمة صفائك الذهني، قررت أن تكون سعيداً، وفجأة.. طنين خافت ومستمر يكسر هذا السلام. حشرة صغيرة جداً قادرة على توتير أعصابك وسلبك تلك السعادة المزعومة. هنا تبدأ رحلة الإنسان في محاولة "السيطرة". نبتكر المبيدات الحشرية للقضاء عليها، ونظن أننا انتصرنا. لكن الطبيعة لا تلعب بالنرد؛ تخرج لنا سلالات جديدة مقاومة للمبيد، أو يتسرب هذا السم الكيميائي عبر السلسلة الغذائية ليعود إلى مائدتنا بعد سنوات، فيسلبنا سعادتنا (صحتنا) على المدى البعيد. الأعقد من ذلك، هو جهلنا بـ "أثر الفراشة" البيئي. تلك البعوضة التي أزعجتك قد تكون حجر الزاوية في نظام بيئي معقد؛ ربما كانت مفترساً لحشرة أكثر ضرراً، أو منافساً يمنع تكاثر حشرة أخرى تنقل فيروساً قاتلاً، أو حتى جزءاً من دورة تحلل نفايات بكتيرية. غيابها قد يفت...